ابحث cherche

vendredi 13 juillet 2012

شباب بارك، وعجوز حارك


آلاف الشبان نجدهم يوما على أرصفة المقاهي وداخل قاعات الشاي. يسرحون أحلامهم مع أعمدة دخان السيجارة وأفئدتهم تهتز مثل اهتزاز الماء في "الشيشة". على الجمر يجلسون ينتظرون. قبالته قهوة سوداء مثل كوابيس باردة. ومهما تنوعت المشاريب، فانه بالكاد يجد ثمنها من عرق جبينه. ولكنه يدفع ثمنها من عرق غيره. يطلب مصروفه من والدته التي خرجت فجرا وأسرع خطى ساهرة إلى طلوع الشمس متعثرة، يطلب مصروفه قبل أن يفوته موعدها اليومي مع العمل. تتجه بظهر منحني إلى حقل الطماطم تجمع حباتها الحمراء التي تشتعل مع استواء الشمس في كبد السماء معلنة الهجيرة. ينام الشاب الحالم على وقع سعال والده المريض وانين طفل تركته الوالدة الحنون من اجل تعود في المساء بعلبة الحليب.
في المساء يفيق الشاب يبحث عن طعام الغداء فيلعن الفقر والخصاصة، يسلق بيضة وجدها قرب الموقد. يغسل عرقه ثم يعود الى رصيف المقهى يوزع اوراق لعبه بحثا عن حظ حلم به في ساعات نومه الطويل. ومن امام الرصيف تمر عجوز تحمل على عاتقها كيسا بلون الطماطم يجبرها على الانحناء قليلا، ينظر إليها سريعا ثم يعود الى اوراق لعبه وفي المساء يعود لطلب العشاء. يسب الطماطم التي تسببت في طبخ "المشلوش" وتلعن والدته من اكل البيض وحده وترك الصغير بلا طعام. يسعل الشيخ الممدد على الحصير يطلب دواء، ينظر إليه الشاب يهز كتفه ويرفع صوت اللعان، يخرج غاضبا ثم يعود لحظة يطلب ثمن قهوة المساء وسيجارة الأحلام السوداء... يعود إلى لعب الورق. وآخر الليل يأتيه جاره يعلمه أن والدته التي كره رائحة عرقها غيبتها المنية يسرع الخطى إلى منزل بؤسه فيعترضه الطفل الصغير بالنحيب ووالده المريض بالسعال.

ناجح الزغدودي

jeudi 5 juillet 2012

لماذا استقال المواطن من العمل البلدي



قد تكون النيابة الخصوصية بدعة قانونية ومنفذا لحالة الطوارئ، ولكنها أثبتت انها أكثر المسائل الشائكة وأنها مضيعة للوقت في ظل الظروف الراهنة والعقليات المرتهنة. والأسباب في ذلك كثيرة وليس فقط غياب التوافق بين الأحزاب المتنازعة. وقد اثبتت عديد النيابات الخصوصية بالقيروان وخصوصا بوسط مدينة عاصمة الأغالبة فشلا في إدارة الشأن البلدي ومعالجة المشاكل لانها منزوعة الصلاحيات ومشتتة المشارب. لتبقى القيروان في حالة مزرية على جميع الأصعدة كأنه قدرها.
وفي القيروان فان الأمور ساءت بقدر كبير في الانتصاب الفوضوي وفي البناء العشوائي. وهي لم تكن نظيمة يوما لا على الأرض ولا في العقلية إلا من رحم ربي من النوايا الصادقة التي تتعرض الى وابل من الأوساخ يوميا. ومن أسباب فشل النيابة الخصوصية في القيروان هي استقالة المواطن من واجبه الوطني. وعدم تحمله مسؤوليته وواجباته البلدية إلى جانب عدم تدخله لمساندة أية بادرة أو مشروع بلدي من اجل مصلحة المجموعة. وللأمانة فانه توجد بعض المبادرات النظيفة والغيورة على المدينة ولكنها قليلة وعملها متقطع بسبب غياب الدعم والمساندة.
فالمواطن يدفع بالفضلات المنزلية إلى خارج منزله ولا يفكر لحظة في المسار الذي ستتخذه تلك الفضلات ودون أن يسال من سيحملها إذا تغيب عون البلدية. بل ويعتبر أن مسؤولية كنس الأوساخ من داخل منزله وخارجه هي مسؤولية البلدية. وللمواطن الحق في التفكير بهذه الطريقة وهو يدفع ما عليه من معاليم، لكن عدم قيامه بواجب دفع المعاليم البلدية يفقده الحق. فلا هو ساهم في النظافة ولا هو ادى ما عليه من واجبات من اجل نظافة مدينته.
والمواطن يبرر رفضه لدفع المعاليم بوجود امتناع من قبل الدائنين بالملايين للبلدية ولم تطالبهم البلدية بأموالها رغم انهم يربحون ويستثمرون من أموال المجموعة دون حسيب او رقيب او تتبع عدلي او إداري. وفي ظل ضعف النيابة الخصوصية الصامتة رغبا ورهبا، تذهب أحلام المواطن في بيئة نظيفة وشارع خالي من التجاوزات. ويتخبط المواطن في المنطقة البلدية لان الريف نظيف بطبعه، من حجم الأوساخ ومن الانتصاب الفوضوي غير الخلاق ومن عشوائية المشاكل والاعتداء على ال
ارصفة ومن المحلات التي تتوالد في شكل مقاه ومحلات أكلة سريعة ومن الاختناق المروري والتوقف العشوائي المؤذي للسيارات قليلة الأدب مع القانون الذي تعلموه في مدارس تعليم السياقة.
المواطن استقال من العمل البلدي وترك التطوع لمن يبحث عن السلطة وعن النفوذ ليمارس (بعضهم) هواية مخالفة القانون. لان هناك مسؤولين بلديين لا يحترمون القانون البلدي فيستولون ويبنون ويهدمون وينتصبون، وهم يعلمون انهم خطاؤون. وبعض النزهاء الراغبين في خدمة البلد أمنا ونظافة لا يجد طريقه الى المسؤولية وتنتزع منه الفرصة وتذهب الى من هم دونه في سمو الهدف محاصصة وتكتلات.
وتواصلت الخلافات لتعمق سوء الخدمات البلدية. ولقد بات التوافق ضروريا على قاعدة تشريك جميع الأطراف. والمواطن هو من انتخب الأحزاب وهو من يشارك في الجمعيات ولا يجب ان يطمئن لمن اوكل اليه المسؤولية ووجب عليه متابعته وتقييم أدائه وانتقاده. ووجب على المواطن ان يحرص على دفع ما عليه وان يحرص على دفع جاره وأقاربه توعية وتربية لأبنائه وبناء للوعي لدى الأجيال.
ان فشل البلدية سببه فشل المواطن لان المسؤول البلدي هو في الأخير اختير من بين المواطنين. وعلى المجموعة ان تحسن الاختيار وعليها ان تجتمع على مصلحة البلاد والمدينة. وكما علمنا رسولنا الأكرم فانه "لا تجتمع الأمة على ضلال".
• ناجح الزغدودي