ابحث cherche

samedi 21 décembre 2013

مرثية إلى القيروان

مرّة أخرى يوافينـا صاحب ديوان " أبجدية الماء والرمل " الشاعر عبد العزيز الهمّــامي بقصيد جـديد على درجة عاليـة من الرّوعـة يَرثى فيه مدينة القيروان التي وُلد بهــا وترعرع في أحضانهــا وعشقهـا إلى حدّ كبير ولكنّه بقي في ذات الوقت مسكونًا بأوجاع هذه المدينة الجريحة التي اندثر جمـالهــا وتآكلت طرقاتها ومبانيها العتيقة وأصبحت رغم قيمتها التاريخية منسيّة ومحرومة من النماء والتطوّر

مرثية إلى القيروان

يَا قَيْرَوَانَ المَجْـــــدِ وَالأَبْـــطَــــــالِ *** كَمْ عِشْتُ مُغْتَرِبـًــــــا وَأَنْتِ بِبَالِي
مُنْذُ الطّفُولَةِ كُنْتِ فَوْقَ أَصَــــــابِعِي *** مَرْسُومَةً فِي رِيشَةِ الأَطْفَـــــــــالِ
اللَّيْلُ فَاجَأَنَــــا وَبَدَّدَ حُلْمَنَـــــــــــــــا *** وَبِدَاخِلِي وَجَعٌ وحَـــــــــالُكِ حَالِي
أَبْكِــــي عَلَيْكِ إِذَا وَقَفْتُ مُحَدِّقًــــــــا *** فَكَأَنَّمَـــــــــــا أَبْكِي عَلَى الأَطْلاَلِ
ذَهَبَ الزَّمَانُ بِسِحْرِهَــــا وَبَهَائِهَــــا *** وَعَلَى اللِّسـَـــانِ يَدُورُ أَلْفُ سُؤَالِ
هَذِي مَعَالِمُهـَـــا تَبَــــــــــاتُ حَزِينَةً *** حَتَّى غَدَتْ فِي سَلَّةِ الإِهْمَــــــــالِ
وَالحَاكِمُ الأَعْمَى تَجَاهَلَ أَمْرَهـَـــــــا *** أَوْ غَضَّ عَنْهَا الطَّرْفَ غَيْرَ مُبَالِ
وَمِنَ الحَمَاقَةِ أَنَّهُ يَرْتـَــــــــادُهـَــــــا *** وَيَخَالُهـَــــــــا فِي أَفْضَلِ الأَحْوَالِ
بَقِيَتْ عَلَى وَهْمِ الوُعـُـــــودِ عَلِيلَـــةً *** وَأَتَى السَّرَابُ بِخَيْبَةِ الآمـَــــــــالِ
  وَتَدَحْرَجَتْ نَحْوَ السُّفُوحِ أَعـَـــالِي   **  مَرَّتْ حُكُومـَـــاتٌ وَلَمْ تَعْبَأْ بِهـَــــــا
شَبِعَ الكـَـــــلاَمُ مِنَ الكَـــــلاَمِ وَإِنَّــهُ *** شَتَّانَ بَيْنَ القَوْلِ وَالأَفْعـَـــــــــــالِ
طَالَ الهُرَاءُ وَلَمْ نَعُدْ نُصْغِي إِلـَــــى *** دَجَلِ الشفـَــــــــــــاهِ وَقِلَّةِ الأَمْوَالِ
وَأَظَلُّ أَبْحَثُ عَنْ صَبـَـــــاحَاتِ بِهـَا *** وَتَعِبْتُ مِنْ تِيهِي وَمِنْ تِرْحـَــــالِي
وَأُعَانِقُ الأَشْجـَـــارَ عِنْدَ سُقُوطِهـَــا *** وَيَضِيعُ فِي الأُفُقِ البَعِيدِ هِلاَلـِـــي
غَابَ النَّمـَــــــــــاءُ بِهـَـــا وَتَعَطَّلَتْ *** مَنْظُومَةُ الأَلْوَانِ وَالأَشْكـَــــــــــالِ
هِيَ أَيْكَةُ المَاضِيَ الجَمِيلِ يَشُدُّنـِــي *** وَيَهُزُّ أَجْنِحَتِي وَحُلْمَ خَيـَــــــــــالِيَ
القَيْرَوَانُ بِعِلْمِهـَــــــا وَتُرَاثِهــَــــــا *** يَزْهُو بِهَا تَاجُ الحَضـَـــارَةِ عـَــالِي
وَمَدِينَةٌ كـَــانَتْ مُطَرَّزَةً بِمـــَــــــــا *** فِي الأَمْسِ مِنْ إِشْرَاقَةٍ وَجَمـَـــــالِ
رَكَضَتْ إِلَى تَـــارِيخِهـَا حَتَّى بَدَتْ *** أَرْضَ الفَخـَــــارِ وَدُرَّةَ الأَجْيـَـــالِ
وَأَنـَــا الذِي أَيْنَعْتُ فَوْقَ تُرَابِهـَـــــا *** الغُصْنُ غُصْنِي وَالظِّلاَلُ ظِلاَلـِــي
وَيَظَلُّ جَامِعُهَا الكَبِيرُ مَلاَذَنـَــــــــا *** يُحْظَى بِكُلِّ الحُبِّ وَالإِقْبـَــــــــــالِ
كَانَتْ سُطُورُ العِزِّ فَوْقَ جِبـَـاهِنـَــا *** تَخْتَالُ مِثْلَ السَّيْفِ بَعْدَ قِتـَـــــــــالِ
أَحْجَارُهـَــــــــا قَمَرٌ يُعَنِاقُ نَخْوَتِي *** وَغُيُومُهـَـــــــا تَخْضَرُّ فَوْقَ جِبَالِي
وَاليَوْمَ تَرْسُمُ فِي الضَّبَابِ هُمُومَهَا      وَبِأَدْمُعٍ فِي النَــــــــــــــائِبَاتِ ثِقَالِ  
غَابَتْ مَجَالِسُهَــــا البَدِيعَةُ وَاخْتَفَتْ *** عِنْدَ المَسـَـــــــــــاءِ جَواهِرٌ وَلآلِي
إِغْمَضْ مَعِي عَينَيْكَ ثُمَّ افْتَحْهُمَــــا *** سَتَرَى المدِينَةَ رَثّةَ الأَسْمَــــــــــالِ
فَكَأنَّمَا تَمْشِي عَلَى أَشْوَاكِهـَـــــــــا *** وَتَخُوضُ مَعْرَكَةً بِدُونِ رِجـَــــــالِ
أَيَّامَ كــَــــــــانَتْ فِي النِّزَالِ عَنِيدَةً      أَعْدَاؤُهـَــــــــا فَرُّوا بِغَيْرِ نِعـَـــــالِ 
وَالآنَ ثَوْرتُنَــــــا المَجيدَةُ سَــافَرَتْ *** بِبِلاَدِنـَـــــــــــــا فِي عَالَمِ الأَدْغـَـالِ
عُنْفٌ وَإِرْهَابٌ وَخَوْفٌ حَوْلَنـَـــــــا *** وَبِطَالَةٌ مَفْتُـــوحَةُ الآجـَــــــــــــــالِ
القَيْرَوَانُ تَصِيرُ نِصْفَ مَدِينَــــــــةٍ *** مِنْ بَعْدِ عِزٍّ يــَــــــــــــــافِعٍ وَجَلاَلِ
كَانَتْ عَلَى مَرِّ العُقُودِ وَبَأْسِهـَــــــا *** رَمْزَ العَطَاءِ ومَضْرِبَ الأَمْثـَـــــــالِ
مِنْهَا أَشَعَّ المُسْلِمُـــــــــــونَ بِدِينِهِمْ *** وَالمَجْدُ كَانَ لِدَوْرِهَا الفَعّـَـــــــــــالِ
حَسْبِي إِذَا طَافَ الهَوَى بِمَشَاعِرِي *** فِي سِحْرِ تُرْبَتِهـَـــــــا أَحُطُّ رِحـَالِي
فَمَتَى سَتنهَضُ مِنْ رَمَادٍ فُصُولُهـَـا *** وَتَزُولُ عَنْهَا صُــــــــــورَةُ الإِذْلاَلِ
وَمَتَى سَنَمْسَحُ دَمْعَةً مِنْ خَدِّهـَـــــا *** وَمَتَى سَتُزْهِرُ فِي الدُّرُوبِ دَوَالِـــي
لاَ شَيْءَ بَعْدَ اليَوْمِ يُوقِظُ حُلْمَهَـــــا *** حتّى تَعُودَ مَحَـــــــاسِنُ الأَعْمَــــالِ
أَقْفُو مَلاَمِحَهـَــــا وَفِي أَحْضَانِهـَــا *** أَلْقَيْتُ فِي يَمِّ الغَرَامِ حِبـَــــــــــــالِي
القَيْرَوانُ عَلَى فَمِي مَعْزُوفَـــــــــةٌ *** سَتَظَلُّ عـَــــــــــاشِقَتِي بِدُونِ جِدَالِ