آلاف الشبان نجدهم يوما على أرصفة المقاهي وداخل
قاعات الشاي. يسرحون أحلامهم مع أعمدة دخان السيجارة وأفئدتهم تهتز مثل اهتزاز
الماء في "الشيشة". على الجمر يجلسون ينتظرون. قبالته قهوة سوداء مثل
كوابيس باردة. ومهما تنوعت المشاريب، فانه بالكاد يجد ثمنها من عرق جبينه. ولكنه
يدفع ثمنها من عرق غيره. يطلب مصروفه من والدته التي خرجت فجرا وأسرع خطى ساهرة إلى
طلوع الشمس متعثرة، يطلب مصروفه قبل أن يفوته موعدها اليومي مع العمل. تتجه بظهر
منحني إلى حقل الطماطم تجمع حباتها الحمراء التي تشتعل مع استواء الشمس في كبد
السماء معلنة الهجيرة. ينام الشاب الحالم على وقع سعال والده المريض وانين طفل
تركته الوالدة الحنون من اجل تعود في المساء بعلبة الحليب.
في المساء يفيق الشاب يبحث عن طعام الغداء فيلعن
الفقر والخصاصة، يسلق بيضة وجدها قرب الموقد. يغسل عرقه ثم يعود الى رصيف المقهى
يوزع اوراق لعبه بحثا عن حظ حلم به في ساعات نومه الطويل. ومن امام الرصيف تمر عجوز
تحمل على عاتقها كيسا بلون الطماطم يجبرها على الانحناء قليلا، ينظر إليها سريعا
ثم يعود الى اوراق لعبه وفي المساء يعود لطلب العشاء. يسب الطماطم التي تسببت في
طبخ "المشلوش" وتلعن والدته من اكل البيض وحده وترك الصغير بلا طعام.
يسعل الشيخ الممدد على الحصير يطلب دواء، ينظر إليه الشاب يهز كتفه ويرفع صوت
اللعان، يخرج غاضبا ثم يعود لحظة يطلب ثمن قهوة المساء وسيجارة الأحلام السوداء...
يعود إلى لعب الورق. وآخر الليل يأتيه جاره يعلمه أن والدته التي كره رائحة عرقها
غيبتها المنية يسرع الخطى إلى منزل بؤسه فيعترضه الطفل الصغير بالنحيب ووالده
المريض بالسعال.
ناجح الزغدودي
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire