بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي وضع المنهاج، وأضاء للعقول بهديه السراج، وجعل البيت مثابة لكل حاج، وصلى الله على إمام ليلة الإسراء والمعراج، محمد الصادق الطاهر الأمين، رحمة الله للعالمين، وسيد الرسل وخاتم النبيين، وإمام الدعاة لخير هدي وخير دين، وعلى آله الأطهرين، وصحبه الأكرمين، ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين..
وبعد:
لكم يأسى القلب وتدمى الروح حين يرى الفرقة والتشرذم، وكم يرتعب العقل حين يستقرئ ويستنبط ويستشف ويستشعر، وكم نأسف حين نرى البعض ينزع من حسبانه وحسبته تونس، وشعب تونس، بين نقيض ونقيضه، كلّ يسعى ولكن ليس سعي مترفق أو محب، بل سعي مبغض متعصب.
حسنا يا إخوتي وأخواتي، يا أبناء بلدي الطيب وشعبي الحبيب، فلنتوقف عن الجدل لحظة، ولنرم من أيدينا الحجر ومن أفواهنا الجدل العقيم، ولنتفكر: ألم يكن يحكمنا طاغوت؟؟ ألم نكن أغرابا في أوطاننا؟؟ ألم ينصرنا الله؟؟؟ فكيف نترك كل ذلك وراءنا ونتخذه ظهريّا ثم يمضي هذا خلف وهمه وذاك خلف حقده والآخر خلف مصالحه..لكأن الله لم يحقق لنا غاية ولم يرفع لنا راية !!!
عجيب والله عجيب..فلنتأمل مثل بني إسرائيل: نجاهم الله من فرعون وهامان وآل فرعون بعد ظلم واستبداد ومآس كثيرة: “وَإِذْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ ۖ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ ۚ وَفِي ذَٰلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (141)” الاعراف.
وشقّ الله لهم البحر، وآتاهم الألواح فيها العلم والحكمة، وفجّر لهم الصخر ينابيع،
وأنزل عليهم المن والسلوى، فما كان منهم إلا أن غفلوا عن كون النعمة حين لا تتم من العبد بالشكر ومن الله بالتثبيت تصبح أشد من النقمة: “وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَنْ نَصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ۖ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ ۗ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ (61)” البقرة
ربما نبتلى ببصل من هنا وقثاء من هنالك، وربما تغلب الأهواء بعضنا فيرهنون مذهب مالك لدعيّ هالك، وربما تعصف الأهواء ببعضنا كذلك، فيغلقون الطريق على كل متدبر وسالك، ويمضون بالوطن في طريق الفتن والمهالك، ويشترون بالنهار الليل الحالك.
بل وربما يتآمر البعض على الوطن وعلى الشعب وإرادته، وعلى ما حقق بدماء أبنائه وحرية انتخابه، ليصبح الحقد على حزب فاز أو فرد امتاز بابا لتعطيل كل شيء لمجرد التعطيل والانحياز، ومنع كل حلّ وكل فعل وكل إنجاز…
يا أبناء وطني ويا أحبتي، يا إخوتي ويا أخواتي، على اختلاف أفكاركم ورؤاكم، لا يفتن بعضكم بعضا ولا يستمعن بعضكم في أخيه لعدو الوطن، وليتق الله ربه، أو فلينظر إلى أن غرق البلاد غرق لكل أهلها ولا أحد سيخرج من الحريق بوجه غير محترق.
هل بعد أن عانينا من الدروشة، والفرنسة، وبعد أن عُلّبنا بالبرقبة، وغيّبنا بالبنعلة، ونُهبنا بالليللة، وحوصرنا بالصهينة، علينا بعد أن نبتلى بالوهبنة..والشيطنة والطلينة؟؟ فلنرجع للتونسة،ولنتذكر أننا تونسيون، بلادنا أغلى من أرواحنا، وأن علينا أن لا نضيع دماء الشهداء هدرا، ولا نأتي بعدهم غدرا، ولا نترك العدو يوغر صدورنا ببعضنا صدرا صدرا، وأن ديننا تاجنا وميزتنا، وأن مذهب الإمام مالك ونهج سحنون وابن عرفة والمحجوب وسادتنا خط أحمر، وأن السلم الاجتماعي خط أحمر، وأن وحدة الشعب التونسي خط أحمر، وأن إرادة الشعب خط أحمر…ومن كان ولاؤه لغير وطنه وشعبه ودينه فقد خان وهان واستهان، فلينظر كلّ منا إلى حاله وقلبه وليقسه بالحكمة ويوقفه أمام الحجة والبرهان، وليجادل أخاه بالحكمة والرفق والحب والإحسان، وليعلم أن التونسيون إخوة وأن دماءهم حرام وأعراضهم والأبدان، فمن فهم هذا البيان، وأنطق بالحق اللسان، وثبّت على الحق الجنان، فقد فاز وكان ثقيل الميزان، ذا حظوة عند الرحمن، ونال السعادة والرضوان، ومن فتنه الفتّان، وغرّه دعيّ الزمان، ورام تمزيقا للألفة وحرقا للمكان، ونسي ما شرح الله وأبان، من الرفق والرحمة في القرآن، وفي سجية وسنة المصطفى العدنان، وفي منهج السلف الصالح ذي المكانة والشان، بل وما كان من حكمة وميثاق تعامل الإنسان مع الإنسان، فقد شقي بلا ضمان، وسدر بلا أمان، وجهل الحقيقة فما استبان، وخان الأمانة فهان، فالله الله يا إخوتي أن تخونوا أوطانكم، فإن أعظم خيانة خيانة الأوطان
الدكتور مازن الشريف
عاصمة تونس أرض اللطف حماها الله
السبت، 10 ربيع الثاني، 1433 هـ الموافق لـ 03 مارس، 2012 م
عاصمة تونس أرض اللطف حماها الله
السبت، 10 ربيع الثاني، 1433 هـ الموافق لـ 03 مارس، 2012 م
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire