ابحث cherche

vendredi 4 novembre 2011

بقلم: جميلة القصوري من حذّرك كمن بشّرك

الصحفية جميلة القصوري: جريدة الصحافة

ثلاثة تونسيين يلقون حتفهم في زغوان بسبب نزول الامطار.. مواطنون برتبة فقراء يغادرون بيوتهم بسبب غرقها ليبحثوا عن ملجإ بعد أن عجزت السقوف عن ايوائهم وبعد أن جرف الغيث أغطيتهم المثقوبة.
إنّها مفارقاتنا المجيدة... ورّبما كنّا البلد الوحيد الذي ترتجف قلوب شعبه خوفا من نزول المطر ... خوفا من الغرق... خوفا من الغيث الذّي من ّ به اللّه...
الكارثة أنّ مندوب الرصد الجويّ وفيما ثكالى زغوان تنتحب يطلع علينا وبابتسامة ضبابية ليؤكد أن كميات الأمطار عاديّة في مثل هذا الفصل.... وتبحث عن معنى لهذه المعلومة ... أمطار عادية تغرق البلد فماذا لو كانت أمطارا طوفانية... أين الخلل? ابحث معنا.
****
يقول المثل الفرنسي ان الانسان يتعلم من الهزيمة ولا يتعلم من النجاح ... ونحن شعب مهزوم منذ أمد... تعاقب علينا الغزاة من رومان واسبان واتراك وفرنسيين و... ولم تتعلم ... لازلنا نتجرع اختلافاتنا البيزنطيّة ولم نتجاوزها الى مرحلة تفعيل خياراتنا.
نزل الغيث وعوض ان نستبشر كـ «أمة محمد» عادت الينا وجيعة البلد.. فتّحت أعيننا على مشاكلنا الحقيقية التي عرّتها الأمطار فنزعت ورقة التوت الاخيرة عن همومنا... همومنا وقضايانا التي لخصناها للاسف في التكفير والتخوين والعمالة ومنع الخمر وتعدد الزوجات والتحليل والتحريم والتجريم وخاصة في التناحر والضرب تحت الحزام من أجل عيون المجلس التأسيسي وما بعده.
***
قضايانا الحقيقية تكمن في ضرورة القفز فوق الهوّة السحيقة بين المسؤول ومشاغل الشعب... مشاكلنا لا تكمن في قصر الثوب أو طوله ولا في توقيت دوام الحانات والملاهي ولا في اصطحاب محرم مع الطالبة الى مدارج الجامعات ولا في التطرف الراديكالي ولا في غيرها من المشاكل المغلوطة... مشاكلنا الحقيقية كشفها للأسف شبر ماء....
مشاكلنا تكمن في البنية التحتية التي أكلها الصدأ ونخرها السوس وفي الطرقات التي لا تصلح للتنقل لا صيفا ولا شتاء ومجاري المياه والعقليات المسدودة والشباب الذي تقتات الحيتان من جثثه عرض البحر.
مشاكلنا تكمن في الانفلات الأمني، ذاك المارد النائم في قمقم غير محكم الغلق الذي يهدّد بثورة محتملة حسب المزاج.
مشاكلنا ليست في الصراعات المغلوطة ولا في اقتحام الابواب المفتوحة ولا في خلق جدل ديني أو ايديولوجي لمجرد عرض منحوتة عارية على قارعة الطريق أو ما شابه ذلك....
علينا ألاّ نحوّل معركة البناء الحقيقية الى مجرد تراشق وسباب وسيلان شتائم بين من يدعو إلى دولة المواطنين وبين من ينادي بدولة المؤمنين.
هناك مسلّمات لا جدال فيها لن تتغير ثوابتنا ومكاسبنا وسقوط النظام لا يعني سقوط الدولة وإعادة صياغة الدستور لا تعني إعادة صياغة مواثيقنا كمجتمع مدني له طقوسه وبراهينه الحداثية ... لا مجال للعودة الى الوراء في المكاسب وفي المقابل فإننا نرحّب بالإضافة ... الاضافة التي لا تعلن البدايات بشكل عكسي...
علينا ان نبدأ من قاعدة الاشياء ... من بنيتها التحتية.. من رصد أهدافنا الحقيقية ... من معرفة أسباب انسحاب بعض رؤوس المال من أرضنا بعد الثورة وانتشار ظاهرة التسول واسباب غلاء المعيشة وانتعاش السوق السوداء والرجفة التي تنتاب قلوب المواطنين كلمّا اقتربت العودة المدرسية وكلما هلّت الاعياد ومواسم الفرح بسبب الجيوب الخاوية وفقر الرصيد.
***
اسأل فقط اسأل ... لماذا نترك سياسة المراحل لنمارس عملية سقوط حر غير مضمونة العواقب... لماذا نكتفي بمجرّد الكلام، الكلام غير المجدي الذي أصابنا بالدوران والغثيان ... لماذا نقتصر على الثرثرة التّي تتحول إلى عنف في أفضل الاحوال؟
***
آخر الانباء تتحدث عن بلاغ للادارة العامة للحرس الوطني تعلن فيه عن ضبابية في الرؤية وتنصح خلاله مستعملي الطريق بضرورة الحذر.
خبر عاجل قرأته على الشاشة وأطالب بالمناسبة ببلاغات مماثلة من رواد المطبخ السياسي يعلنون فيها عن التزامهم بتوخي الحذر واستعمال أكثر الطرق سلامة وأمانا.
قال الامام مالك «من حذّرك كمن بشّرك» ... ولا أضيف..
جميلة القصوري : الصحافة



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire