ابحث cherche

jeudi 3 novembre 2011

"الخلوة" للتياترو

"الخلوة" للتياترو
حين تمتزج سخرية الجبالي بروح الشباب الخلاقة
الصحافة – عادل النقاطي
استقبلت القيروان نهاية الأسبوع  المسرحية الجديدة للتياترو الخلوة والتي حضرها جمهور محترم العدد متعطش للعروض الفنية التي جف نبعها عن المدينة تاركة مساحاتها الثقافية المتنوعة للعروض السياسية المملة.
الخلوة عرض من تأليف جماعي وإن غلبت من ثناياه " الضمار" الجبالي ذو البصمة الواضحة، ومن إخراج جماعي لمعز القديري ونوفل عزارة وتوفيق الجبالي وتمثيل نخبة من شباب التياترو " غير المحترفين" والذي عمّر بهم المخرجون الركح بسخاء حتّى بلغ عددهم الخمسة عشر ممثلا وممثلة.
الخلوة كانت وفيّة لروح الجبالي المرحة أولا والمنتقدة ثانيا والساخرة ثالثا، هذه النوعية التي يجد فيها الجبالي جمهوره المصرّ على هذا الطبق المسرحي المميز للتياترو الذي يتمرد عليه الجبالي أحيانا كثيرة رافضا أسر نفسه في مثل هذه النوعية ليحلّق بعيدا في سماء التجريب تاركا جمهوره منتظرا فلتة أخرى من فلتات مسرحه الساخر الضاحك ليعود إليه بقوة ويحتضنه بحبّ، عاتبا على الجبالي تخليه عن جمهوره الوفي الذي لا يحفظ إلا ما شاهد من كوميدياه السوداء من كلام الليل إلى هنا تونس وغيرها إلى الخلوة أخيرا.
يصمت النقاد عند تهويمات الجبالي التجريبية ولكن يتساءل الجمهور في حرقة دائما، لماذا يتخلى عنّا توفيق ويتركنا ننتظر أعواما مسرحا نحبه ونمسح فيه همومنا ونضحك فيه من أنفسنا وننظر فيه إلى عوراتنا المضخّمة.
والآن بمسرحية كالخلوة يجيب توفيق الجبالي عشاق مسرحه أنا ساخر إذا أنا موجود، ويجيبه الجمهور قدرك أن تبقى ساخرا فلا تحلق بعيدا خصوصا في هذه المرحلة المليئة بالمتناقضات والتغييرات والتمفصلات والتي يجب أن ترافقها عين المسرح المتفحصة، المريبة، المشككة، الساخرة والفاضحة.
الخلوة أتت في خضمّ أهمّ حدث تشهده البلاد وهو انتخابات المجلس التأسيسي لترمي بضباب التساؤلات عن معنى التغييرات ومعنى المشاركة ومعنى الاستيلاء على إرادة الشعب ومعنى الأسئلة الجديدة وسط فوضى مكتب اقتراع كان ناد للأطفال أو مدرسة. تبدأ اللعبة المسرحية بتذكير لمراحل الثورة بإيقاع سريع ومفاجئ لمجموعة من الشباب يطلقون العنان ل"ديقاج" فتتم إجابتهم بالرصاص.
يتحول هذا الفضاء إلى مكان تتعدد في الخلوات ويقتحمه الجميع بدءا بالمريض العقلاني الذي يريد أن يمارس حقه في "الهبلة" داخل المكتب ويجبر الجميع على غناء" تيتا تيتا تيتا بابا جاب وريقة، والصندوق يتشتش والأحزاب تفشفش" مرورا بأعضاء المكتب الإقتراعي الذين أعياهم الانتظار وهم على أهبة الاستعداد لبدء العملية الانتخابية ولكن الغيث النافع منعها وعطلها رغم مراهنات بعضهم على أنصار لم يأتوا.
مارس المؤلفون والمخرجون استحلابا مكثفا لكلمة الخلوة فرأينا عروسين ليلة زفافهما يبحثان عن خلوة شرعية داخل المكتب الاقتراعي والتي يمنعان من اقترافها جماعيا في مشهد سريالي غريب، ورأينا كيف تتحول الخلوة إلى دورة مياه، إلى مكان للعشق، لتدخين سيجارة ملغمة، إلى غرفة استحمام، إلى ملبس، إلى صندوق قمامة، إلى مسكن للشيطان، إلى ملعب وإلى ملهى.
مارس خصوصا الجبالي من خلال النص لعبته المفضلة والتي يجيدها بسلاسة خطيرة وهي اللعب بالكلمات حيث مزّق أوصال المعاني ليخيط بها جملا جديدة تضحكنا من تناقضاتنا ومن قبحنا فتعددت المواقف الساخرة والفاضحة للنفس البشرية المتقلبة  وتعددت الأسئلة حول مستقبل البلاد في ظل تغير مراكز القوى وتبدل القيادات ،ولعلّ أطرف مشهد جسّم هذا كله مشهد الكفيف الذي لم يجد من يرافقه في مكتب الاقتراع ليمارس حقه الانتخابي ولكن إيمانا منه بقدرته على الفعل قام وحيدا بتعمير الورقة التي وضعها في نهاية الأمر في " شق" شوّاية الخبز ظنّا منه أنّه الصندوق، ، وكان طوال فعلته تلك يملأ المكان بهجة وحياتا بإطلاقه وابلا من النكات تترجم عن روحه المرحة والمستبشرة في دلالة على آلاف الأصوات الضائعة أو الصامتة لتونسيين طيبين محبين للخير وللحياة والتي كان بإمكانها المساهمة في الفعل.
الجبالي بتشريكه لمخرجين شابين معه في العملية الإبداعية وبتعويله على فريق الممثلين في تطريز النص عوّل على روح الشباب وعلى الذهنية المتخيلة الشابة فتعددت المشاهد ولهث العرض وراء الصور المتغيرة في إيقاع لم يسقط لحظة واحدة رغم أوقات الصمت التي يمر بها ولكنه كان صمتا مشحونا وملغما بالمعاني والإيحاءات، هؤلاء الشباب وظفوا ديكور المسرحية واكسسواراتها فخلقوا عديد الأمكنة الممكنة والأزمنة المتغيرة في أسلوب جديد لا نعرفه عند الجبالي الذي عادة يستعمل ديكورا ثابتا تلعب فيه الإضاءة دورا مميزا.
مسرحية الخلوة عمل تم انجازه بحب وذكاء ومشاركة، امتزجت فيه روح الجبالي ونفسه الكوميدي الساخر برؤية إخراجية جديدة شابة أوقدت الركح بالحياة والفرح رغم مرارة المواقف وضبابية المستقبل الذي أصرّ القائمون على العمل على إبرازه ضبابيا حقيقيا باستعمال مولّد ضباب ملأ 
.لفضاء وخنق الصفوف لأولى.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire